السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
غزة أهل العزة
هذا العالم الغربي، الذي يقول بالتعايش والسلام: أين هو عن معايش غزة المحاصرة ؟!
أولئك الذين يروجون لاحترام الحضارات، وصداقتها: أين هم عن حقوق أهل غزة؟
الذين يحسنون الظن بالصهاينة من اليهود والنصارى: هل يرون ما يحل بهذه المدينة؟.
والذين يطالبون بالكف عن المقاومة والجهاد: هل دروا بما حصل في .. ؟.
حصار عزة ماذا يعني ؟.
يعني: أن المسلمين لا قيمة لهم ولا هيبة.. مدينة من مدن الإسلام، تقع وسط بلاد المسلمين، تحاصرها شرذمة من اليهود، يعينهم على ذلك شر شرذمة من الصهاينة، ثم لا يستطيع أحد إيقافهم، وفك الحصار عنهم، حتى يضطر أهلها إلى غير مسموحر الحواجز، ليخرجوا ويفكوا الحصار عن نفوسهم الأبية، ولو إلى حين، يشترون الطعام واللباس.. ذلك غاية ما قدروا عليه، وتلك معونة هي أحسن ما قدمت لهم، قدمها لهم إخوانهم في الملة، بقي الماء والكهربا، والوقاية من برد الشتاء.. فأين المسلمون ؟.
هم نائمون، أو غافلون، أو محوقلون محسبلون مسترجعون، أو لا هون عابثون، ومنهم الذين يألمون، ويعملون.. لكن:
اسأل هذا اللاهي العابث، في زمن هوان المسلمين: كل الذي ترى وتسمع، لم يكن يوما ناصحا لك، وهاديا لك من الغي ؟!!.
واسأل تلك اللاهية العابثة الجارية وراء المحرمات، من تبرج وسفور واختلاط: هل شاهدت فتيات ونساء غزة؛ كيف هن ؟.
واسأل التاجر الذي ملأ بطنه دينارا ودرهما، وجيبه تمرا وقمحا، وبيته أحمالا وأثقالا يبتغي الأرباح: كيف حال الشبع والترف.. هلا أخبرت به فقراء غزة، وكلهم فقراء ؟.
فينا الذين يغارون، ويألمون ولا ينامون، وقد حلفوا ألا يشبعوا من طعام، ولا يتمتعوا بوثير الفراش، وأن يشاركوا إخوانهم جوعهم، وعطشهم، وبردهم، وقلقهم وعذابهم.
فينا الذين لو وجدوا طريقا لفك الحصار ونصرة المستضعفين، لكانت أرواحهم أقل شيء يقدمونها.
فينا الذين يتولون وأعينهم تفيض من الدمع، وقلوبهم تفيض ألما حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.
في الأمة الأمرين كليهما، هذا التعاطف، وذاك التخاذل، ولو استوت على حال لكان الحسم، فلو استوت جميعها على التعاطف لنصرها الله جل شأنه، رفع ما بها من ذل.
ولو استوت على التخاذل لكان موجبا عقابها وهلاكها، وزوال بركتها وخيريتها.
ما تأخر النصر، وبتنا نرى كل يوم ذلا جديدا، وداهية عظيمة، وننتظر أخرى، إلا لأنا وقعنا في أمرين كليهما يردي: حب الدنيا، والتفرق والتشرذم.
فمن منا الذي لم يحب الدنيا، حتى طلاب العلم أحبوها، وزاحموا أهلها، ونافسوهم في الترف، حتى ذهبت هيبتهم، التي هي رصيدهم في التأثير والإصلاح.
والتفرق شتتنا، ومحق البركة من بيننا، وأضعف شوكتنا، وهي آفة سرت حتى في أهل العلم وطلابه.
فإذا ما سمعنا بحصار في غزة، أو فتك في أفغانستان، أو إبادة العراق، فليس ذلك بعجب أن يحدث، وهناك عدو متربص، ومسلمون فقدوا أسباب الحرمة والهيبة.
قال الله تعالى:
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا...}.
* * *
إبراهيم عليه السلام قدموه للحرق؛ لأنه لم يعبد أصنامهم وأوثانهم: {قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم}.
أصحاب الأخدود حرقوا، لأنهم آمنوا بالله العظيم: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد* الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد}.
والنبي صلى الله عليه وسلم والجماعة السابقة بالإيمان حصروا في الشعب، حتى أكلوا ورق الشجر؛ لأنهم شهدوا أن لا إله إلا الله.
وبعد استيلاء النصارى على الأندلس فتشوا في الضمائر، فمن حامت حوله شبهة الإسلام أخذ وعذب بالقطع والثقب، حتى يموت.
ولما ظهرت في بلاد الأقصى ثلة مؤمنة (= حماس) تؤمن بأن الأرض للمسلمين، وأنه لا طريق للتحرير إلا الجهاد والمقاومة، تحرك الصهاينة ومن لحق بهم في كل اتجاه لعزلها، وإفشالها، حتى إذا استعصت عليهم شرعوا في حصارها، فمنعوا منها المال، فبقي الناس بلا مال، وصبروا صبر الأعزاء، فزادوا في الحصار، فمنعوا وضيقوا الخروج والدخول، كل ذلك لم يفد بشيء، ولما كانت ضمائرهم خاوية، وقلوبهم تنطوي على الحقد، شرعوا في تجويع وتخويف الآمنين العزل، وقتلهم بالمرض والبرد.. جريمتهم أنهم قالوا: ربنا الله.
هكذا هم عبدة الشيطان والأوثان والدرهم والدينار، لا ذمة لهم، ولا عهد ولا أمان..
* * *
بصورة واضحة مختصرة:
هؤلاء الصهاينة من يهود ونصارى، كذا من لحق بهم، لا يريدون لنا أن نكون على الإسلام الذي نزل من لدن ربنا تعالى شأنه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأي مسلم أو جماعة، أو أمة تكون على هذا الإسلام فهو: إرهابي، أصولي، متطرف، متشدد. فلا يرضون إلا بإسلام هم رسموا حدوده وشكله وصورته، إسلام يقبل بأن يحتل أرض فلسطين وغيرها، فيرى في المحتلين فاتحين محررين من أغلال الرق والتخلف، فيفتح له الباب، ويفرش له الأرض، ويقيم الأفراح على هذا الفتح العظيم.
وجريمة أهل العزة أنهم لا يعدون هذا إسلاما أصلا، بل ضلالا وكفرا وردة.. أنهم رضوا بالإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يرضوا بغيره.
تلك هي جريمتهم عند هؤلاء، لكن ما هو جريمة عندهم، هي عند المسلمين عز وشرف وإباء، ودين قويم، ليس شيء سوى ذلك؛ لأن عغير مسموحه هو الخيانة لله ورسوله وللأمة.
وأي عز أعز من تدفع عن بلد الإسلام احتلال كافر، يبتغي كفر الناس جميعا، وإضلالهم عن سواء السبيل، وقد حكى الله تعالى ذلك عن أهل الكتاب فقال:
- {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.
وفي آية أخرى جمع الكافرين من أهل الكتاب والمشركين في هذه الأمنية، فقال:
- { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
كما أنها أمنية المنافقين، كما قال تعالى:
- {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما غير مسموحبوا أتريدون أن تهتدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا * ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء..}.
فهؤلاء الأصناف الأربعة: الذين كفروا من اليهود والنصارى، والمشركون، والمنافقون. كلهم يحسد المسلمين على إسلامهم وإيمانهم، وبدلا من الفوز بالشرف نفسه، إذا هم يحسدون ويتمنون زوال هذه النعمة عنهم، وتبدلهم الكفر بالإيمان.. يتخذون كل وسيلة ليضلوا عن سبيله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون * والذين كفروا إلى جنهم يحشرون}.
وما دامت المقاليد بأيديهم، والأكثر يعجز عن ردهم وردعهم، فلا تأمن أن يطول الحصار ويتجدد، وتجد محن أخرى، وتستجد حصارات جديدة، فلا شيء من ذلك يمنع، إلا أن يتوب الله على المؤمنين فيتوبوا، فيصلحوا، وحينئذ فنصر الله قريب